بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على رسول الله
لا تحزن
إن كنت فقيرا فغيرك محبوس في دين، و إن كنت لا تملك وسيلة نقل فسواك مبتور القدمين، و إن كنت تشكوا من آلام فغيرك يرقدون على الأسرة البيضاء و من سنوات، و إن فقدت ولدا فغيرك فقد عددا من الأولاد و في حادث واحد. لأنك مسلم آمنت بالله و رسله و ملائكته و اليوم الآخر و القضاء خيره و شره. فلا تحزن...
إن أذنبت فتب، و إن أسأت فاستغفر، و إن أخطأت فأصلح، فالرحمة واسعة و الباب مفتوح، والغفران جم، و التوبة مقبولة. فلا تحزن...
لأن القضاء مفروغ منه ، و المقدور واقع ، و الأقلام جفت ، و الصحف طويت ، و كل أمر مستقر ، فحزنك لا يقدم في الواقع شيئا و لا يؤخر، و لا يزيد ولا ينقص.
لا تحزن لأنك بحزنك تريد إيقاف الزمن، و حبس الشمس، و إيقاف عقارب الساعة، و المشي إلى الخلف و رد النهر إلى مصبه.
لا تحزن لأن الحزن كالريح الهوجاء تفسد الهواء و تبعثر الماء و تغير السماء، و تكسر الورود اليانعة في الحديقة الغناء.
لا تحزن و أنت تملك الدعاء، و تجيد الانطراح على عتبات الربوبية، و تحسن المسكنة على أبواب ملك الملوك، و معك الثلث الأخير من الليل، و لديك ساعة تمريغ الجبين في السجود.
لا تحزن فإن الله خلق لك الأرض و ما فيها، و أنبت لك حدائق ذات بهجة، و بساتين فيها من كل زوج بهيج، و نخلا باسقات لها طلع نضيد، و نجوما لامعات، و خمائل و جداول.
لا تحزن فأنت تشرب الماء الزلال، و تستنشق الهواء الطلق، و تمشي على قدميك معافى، و تنام ليلك آمنا.
أما ترى السحاب الأسود كيف ينقشع، و الليل البهيم كيف ينجلي، و الريح الصرصر كيف تسكن، و العاصفة كيف تهدأ ؟! إذا فشدائدك إلى رخاء، و عيشك إلى هناء، و مستقبلك إلى نعماء.
لا تحزن فلهيب الشمس يطفئه وارف الظل، و ظمأ الهاجرة يبرده الماء النمير، و عضة الجوع يسكنها الخبز الدافئ، و معاناة السهر يعقبها نوم لذيذ، و آلام المرض يزيلها لذيذ العافية، فما عليك إلا الصبر قليلا و الانتظار لحظة.
إن عمرك الحقيقي سعادتك و راحة بالك، فلا تنفق أيامك في الحزن، و تبذر لياليك في الهم، و توزع ساعاتك على الغموم و لا تسرف في إضاعة حياتك فإن الله لا يحب المسرفين.
كتبها لنا الشيخ عائض القرني في كتابه الجميل "لا تحزن" جزاه الله عنا كل خير.